الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***
53- (كنت أقعد مع ابن عباس) وسبب ذلك في كتاب العلم عند المصنف رحمه الله تعالى ولفظه: «كنت أترجم بين ابن عباس رضي الله تعالى عنه وبين الناس»، لأن أبا جَمْرة كان يعرفُ اللغة الفارسية، وكانت المعاملات عنده تجيءُ في تلك اللغة فيترجِمُ لهُ. 53- (أقم عندي) إن كان هذا الإعطاء أُجرة الترجمة كان دليلاً على جوازِ أخذِ الأجرةِ على التعليم أيضاً، وإن كان بسببٍ آخرَ فلا. ونقل أنه كان ذلك بسببِ الرؤيا التي رآها في فسخِ العمرة، أنه قبل حجه وعمرته، وقد كان فسخَهُ على فتواه، فسُرَّ به. 53- (إن وفد عبد القيس) وأنهم أَتُوه مرتين: مرةً في السنة السادسة وأخرى عام فتح مكة. ومسجد عبد القيس بجُواثى، أول مسجدٍ صُليت فيه صلاةُ الجمعةِ بعد المسجد النبوي، فاحفظه فإنه ينفعُك في مسألة الجمعة في القرى، وسيجيء إن شاء الله تعالى تحقيقها. (غير خزايا ولا ندامى) وفي ندامى مُشاكلة كما في الغَدَايَا والعَشَاي. وإنما قال لهم ذلك لأنهم جاؤا برغبةٍ منهم بدون الحرب. ثم ههنا إشكال وهو أنه وعد بذكر الأربع، فإن عَددْنا الإيمانَ بالله منها، يبقى سواه أربعاً، ويصير المجموعُ خمساً فيزيدُ العدد. وإن جعلنا المجموعَ تفسيراً للإيمان وأدرجْنَاه تحته لم يحصل إلا أمر واحد، وعلى كلا التقديرين لا يحصلُ العدد الموعود. فقال البيضاوي في «شرح المصابيح»: إن الإيمانَ بالله وحده أمرٌ واحد، وإقامِ الصلاة... إلخ تفسير للإيمان، والثلاثة الباقية تركها الراوي. قلت: وحاصله هَدْر ما ذكره الراوي والأخذُ بما لم يذكره هو الرجم بالغيب. وقيل: إن العددَ باعتبار أجزاء التفصيل، فالإيمان واحدٌ ثم فصَّلَه في ذلك العدد. وقيل: إنه وَعَدَ بالأربع وزاد عليه بواحد عند الوفاء، فذكرُ إعطاء الخمس تبرع منه، ولا بأس في إعطاء الزيادة على الموعود. قلت: وهذا الجواب بعيد عن ترجمة المصنف رحمه الله تعالى بَوَّبَ عليه بكونه من الإيمان. ويمكن أن يُجاب عنه أن إعطاءَ الخمسِ وإن كان خارجاً عن الإيمان، لكنه معدودٌ عند المصنف رحمه الله تعالى من الإيمان، لأنه قد علم من صَنِيْعِهِ أن جميع الأشياء المتعلقة بالإيمان إيمانٌ عنده. وقيل: إعطاءُ الخمسِ داخلٌ في إيتاء الزكاة، لأنَّه أيضاً من نوعه وهذا ألطفُ من جعله تبرعاً، سيما على مذهب الشافعية، فإنهم قالوا: في المعدِن الزكاة، وفي الرِّكاز الخمس. وقيل: إن الشهادتين ليستا من الأشياء الموعودة، وإنما ذكرهما تمهيداً ولكونهما لا بد منهما، والعددُ يبدأُ من قوله: إقام الصلاة. أقول: ويرد عليه ما عند البخاري أنه ذكر الشهادتين وعقد واحدة. وهذا يدل على أنه عدَّها من الموعود. لا يقال: إن العقد كان للإشارة إلى التوحيد، لأنا نقول: المعهودُ فيها الإشارةُ بنصبِ المسبِّحة دون العقد. والراوي يذكر العقدَ. والأولى عندي أن يقال: إن الأربعة هو الإيمان مع ما بعده، وما بعده تفسيرٌ للإيمان. فإذا قلنا: إنها إيمانٌ، قلنا: إنها شيء واحدٌ، وإن نظرنا إلى الأجزاء قلنا: إنها أربعة، فهو واحد من جهة الإجمال، وأربعةٌ من جهة التفصيل. وبعبارة أخرى: أن المقصود كان الأمرُ بالإيمان، غير أنه قال: أربعة نظراً إلى أجزائه الداخلة فيه. وهذا يوافق غَرَضَ المصنفِ رحمه الله تعالى أيضاً، فإنه جعل أداء الخُمُس من الإيمان. وأيضاً يوافق لما ذكره في باب سؤال جبرائيل ما بينَه النبي صلى الله عليه وسلّم لوفد عبد القيس، فإنه دليل على أنه عدَّ الأشياء الأربعة من أجزاءِ الإيمان وتفسيره. وكذلك بَوَّب في كتاب السِّير والجهاد بقوله: باب أداء الخمس من الدين، فدل على أنه معدودٌ عنده من الإيمان. 53- (وحده) وفرق في «المطول» بين الواحد والأحد. فقال: إن الواحدَ مشتقٌ من الوَحَد، ويصيرُ أحداً بانقلاب الواو ألفاً، فالأحدُ اثنان: الأول من الوَحَد، وهو للعدد المقابل للاثنين، والثاني: للمنفرد عن الشيء. والأولُ لا يردُ إلا في سياق النفي، كقوله: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أي واحداً. والثاني يُستعمل في الإثبات كقوله: {قل هو ا أحل} أي منفرد. ثم قيل: إن الواحد لا جمع له إلا أنه ثابت في شعر الحماسة: 53- (إقام الصلاة... إلخ) قيل: إنه مجرور ومعطوف على الإيمان وتفسيره قد تم عند ذكر الشهادتين. ثم إنه بعد كونه معطوفاً على الإيمانِ إيمانٌ أيضاً. وقيل: بالرفع. وأقول: إنه داخلٌ في تفسير الإيمان، وهو الأقرب عندي وأوفق لغرض المصنف رحمه الله تعالى، ثم إنه قال الحافظ رحمه الله تعالى: إن الحج ليس بمذكور في أحد من طُرقه، لأنه فُرِضَ بعدَه وما ذُكِرَ في بعض طرقه من الحج معلولٌ عند المحدثين. 53- (وصيام رمضان) وهو مصدرٌ لغةً، لا جمعُ صوم وفي كتب الفِقه من قال: عليَّ صيام يلزمه ثلث صيام فدل على أنه جمعٌ عندهم، ولعله عُرفٌ حادثٌ. وإلا فالصيام مصدرٌ وليس بجمع. 53- (والحنتم) سبزرنك كى روغنى كهر يا جيسى مرتبان والحنتم وإن فسروها بالجرة الخضراء، ولكن لا يشترطُ أن تكونَ خضراءَ دائماً. بل هذا بالنظر إلى الغالب. 53- (الدباء) توبنرى (النقير) ما يُتخذُ من نقر أصل النخلة. و(المزفت) وهو المُقيَّر، والقِيرُ والقَارُ واحد. والزفت ليست ترجمته رال كما في الغياث، بل هو نوع من الدُّهن يُجلب من البصرة. والنهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يُسرع فيها الإسكار، ثم ثبتت الرخصةُ في الانتباذ في كل وعاءٍ إذا لم يُسكر. رواه الترمذي في الأشربة قال: إن ظرفاً لا يُحلُّ شيئاً ولا يُحرَّمه، وكل مسكر حرام.اه.
الغرضُ منه الردُ على من قال: إن الإقرار باللسان كافٍ للإيمان. فقال: إن الإيمانَ عملٌ، وكل عملٍ لا بد له من النية، فعُلم أن الإيمانَ أيضاً لا بد له من النية القلبية. وأما الإقرار باللسانِ فقط فليس بإيمان. أقول: وظني أنه لا يكونُ هناك من يقولُ بكفايةِ الإقرار فقط، ولعل غَرَضَهم غيرُ ما نَقَلَ عنهم الناقلون. (الحسبة) وقد مر منى أن الحسبة أمرٌ زائدٌ على نيةٍ صحيحة، فإن النيةَ مرتبةُ العلم، والحِسبةَ مرتبةُ علم العلم، أي استحضار تلك النيةِ واستشعارِهَا. (والوضوء) وافقَ الحجازيين في اشتراط النية للوضوء، وسوَّى بين العبادات المقصودة وغير المقصودة. وقد مر منى أن الوضوءَ بلا نيةٍ لا ثوابَ فيه عندنا أيضاً، كذا في «خزانة المفتين». والبحث عن مسألة النية في العبادات قد مر منا في شرح الحديث الأول مستوفى، وأن حديثَ: «إنما الأعمال بالنيات» مخصوصٌ عند الكل، فإن طاعاتِ الكافر وقُرُباتِهِ كلَّها يصحُ و حاجة فيها إلى النية عند أحد. (والأحكام) لا يُعلم ماذا أراد بها المصنف رحمه الله تعالى. أما الفقهاءَ فيريدونَ بها مسائل القضاء، ولعل المصنف رحمه الله تعالى أراد منها بقية المعاملات، وهي خارجةٌ عن الحديث عند الشافعية وعند الحنفية على القول المشهور. قلت: وفي المعاملات أيضاً نيةٌ، إلا أن في المعاملات جهتين: جهة تتعلق بالعباد ولا عبرة للنية فيها، وجهة تتعلق بالله تعالى والنيةُ معتبرة فيها أيضاً. فالحديث عامٌّ عندي كما قاله المصنف رحمه الله تعالى. (على شاكلته) فسَّره المصنف رحمه الله تعالى بالنية. وأصلَ معناه على مناسبةٍ طَبْعيَّة، فالإنسان إنما يعمل على طريقةٍ طبعية، ومناسبتها كيفما خُلِقَتْ وطُبِعَتْ، فمن طُبِعَ على السعادة يعمل لها، ومن طُبِعَ على الشَّقَاوة يعمل لها. (ونفقة الرجل... إلخ) وقد مر أن النيةَ الإجمالية كافيةٌ لإحراز الثواب، وإنما الضروريُّ انتفاء النية الفاسدة فقط، فينبغي أن يَحْصُلَ الأجرُ في نفقة العيالِ بدون الاحتساب، لأن الاحتسابَ أمرٌ زائدٌ على النية. وقيَّدَ الاحتساب ههنا لأنه موضعُ ذهولٍ، لا يرجُو فيه الأجر أحد، فإنه أمرٌ طبعيٌ، فزاد الاحتسابَ تنبيهاً على هذا، كما مر مفصلاً. (ولكن جهاد ونية) هذه قطعة حديثٍ قاله في فتحِ مكة. ومعناها أن الهجرة من مكةَ إلى المدينة قد خُتمت، لأن مكةَ صارت دارُ الإسلام، ولكن الجهاد والنية باقيانِ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يتمنَّى أن يجتهدَ في الدين فلا يتأسَّف من انقطاع الهجرة، فإن المجالَ واسعٌ بعدُ، فالجهادُ باقٍ والنية باقيةٍ، فليجتهد فيها.
وفيه تعريفُ الطرفين وهو يفيد القصر، إلا أن التفتازانيَّ يقول بالقصر من جانب واحدٍ، وهو المُعرَّف بلام الجنس فقط فالأميرُ زيدٌ وزيدٌ الأمير: معناهما واحد عنده، أي قَصَرَ الأعمَ على الأخصِّ. وفصَّل فيه الزمخشري أن القَصَرَ قد يكون من جانب المبتدأ وقد يكون من جانب الخبر أيضاً، فجوَّزَهُ من الطرفين، وهو الحق عندي. قال في «الفائق» في حديث: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» إن الله مقصورٌ والدهرَ مقصور عليه. والمعنى أن الله هو الجالب للحوادث لا غير الجالبِ. قلت: بل فيه تعريفُ المبتدأ بحالِ الخبر كما في قوله: فإنْ قَتَلَ الهوى رجلاً *** فإني ذلك الرَّجُلُ وحينئذٍ معنى الحديث عندي: أيها المخاطب أنك تعرفُ الدهرَ من قَبْلُ بنسبة جلبِ الخير والشر إليه، فالله هو ذلك الدهرُ. وبمثله قرره الزمخشري في قوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة: 5) في «الكشاف»، وعليه قوله صلى الله عليه وسلّم «هو الطهور ماؤه» عندي يعني: أنك تعلمُ الطَّهُورَ من القرآن: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآء مَآء طَهُوراً} (الفرقان: 48) فالطَّهُور الذي تعلمه هو هذا. ومعنى قوله: «الدين» مقصور على النصيحة فقط، وليس بغش فالمبتدأ مقصورٌ والخبر مقصور عليه. وكذا قوله: «الدعاء هو العبادة» معناه الدعاء مقصورٌ على صفةِ العبادة، لا أن العبادةَ مقصورةٌ على الدعاء كما فهمه الناس. فترجمته دعا عبادت هى هى والناس يترجمونه دعا هى عبادت هى. ثم النصيحة لله أن لا تشركَ به شيئاً، وللرسول أن تصدِّقه فيما جاء به، وللأئمة أن تطيعَهم، ولعامة المسلمين أن تتعامل معهم بالخلوص بدون غش، والله تعالى أعلم. وهذا آخر كتاب الإيمان.
واعلم أن العلم عند الماتريدية: صفةُ مُودَعة في القلب، كالقوة البَاصرة في العين، من شأنها الانجلاء بالشروط اللائقة بها، فالعلمُ واحدٌ مع تعدُّد المعلومات. نعم، تعدُّد الإضافات ضروري. بخلاف الفلاسفة فإنهم قالوا: إنه حصول الصُّورة، أو الصُّوَر الحاصلة، ولا مُسكَة لهم على ذلك. ومن ههنا عُلم أن العلمَ والمعلومَ متغايران بالذات، لا كما زعموا أنهما متّحدان بالذات. ويتعلق بالمعدوم، لاكالفلاسفة القائلين بتوسُّط الصور؛ فإنهم لما استحالوا العلم بالمعدوم، ذهبوا إلى إقامة الصُّوَر في البين، وقالوا: إن الصورة تَحصلُ أولاً، ثم يحصلُ العلمُ بالمعدوم بواسطتها. قلت: وليس في هذا غير تطويل المسافة، فإنَّا نسأل كيف تُعلَّقُ تلك الصورة بذي الصورة؟ فإن كان بصورة أخرى يلزم التسلسل، وإن كان بالمعدوم فليكن تعلّقُ العلم أيضاً كذلك، على أنه يلزم عليهم أن يَحْصَلَ العلم قبل المعلوم، فإن المعلومَ عبارة عن الصورة من حيث هي هي، وهي مأخوذة عن درجة العلم التي هي عبارة عن الصورة من حيث الاكتناف. وتَقَدُّمُ المأخوذ منه على المأخوذِ أمرٌ بَدَهِيّ، فلزم أن يحصل العلم قبل المعلوم، وتقدم الصورة المطلقة التي هي عَلَمٌ على الصورة الملحوظةِ بقيد الاكتناف لا ينفع ههنا، فهذا كله جهل وسَفَه. والحق أن العلم يتعلق بالمعدوم والموجود، ولا يحتاج إلى تخلُّل الصُّوَر. ثم إن العلم حُسْنَه وقُبْحَه بحسنِ المعلوم وقبحه. وقد أبدع المصنف رحمه الله تعالى في الترتيب، حيث وضع الوحيَ أولاً، ثم الإيمان ثم العلم، ثُمَّ الطهارة ثم الصلاة... إلخ. واعلم أن العلمَ إنما يُعدُّ كمالاً، لكونِهِ وسيلةً إلى العمل المُفْضِي إلى رضائه تعالى، فالعلم الذي ليس على هذه الطريقة، فهو وَبَالٌ على صاحبه، وإليه يشير آخرُ الآية: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} نبَّه فيه على ما به كمالُ أولي العلم والفوز بالدرجات. ثم إن العمل الصحيح يرضاه ربك، ولا علم به إلا من تِلقاء النبوة، فدعت الضرورة إلى الإقرار بالنُّبوة، ومَنْ أنكرها فهو صابئيٌّ مثل كفار يونان وعراق بعد نوح عليه الصَّلاة والسَّلام، فإنهم كانوا يُنْكرونها. ومرَّ ابن تيمية رحمه الله تعالى على تحقيقهم فلم يُدْرِكه. وقد ذكر الشَّهْرَسْتَاني مناظرة الحنفاء والصابئين في كتابه في نحو ثلاثين ورقة، وعَدَّها من غرائبه. ويتضحُ منها أنهم كانوا يُنْكِرون طَوْرَ النبوة. ثم إن المفسرين تكلموا في فضل آدم عليه الصَّلاة والسَّلام ورأَوْا أنّ فضله من جهة العلم، وهي عندي عبوديته، لأن الخلافةَ يستحِقُّها باعتبار الظاهر ثلاثة: آدم، والملائكة، وإبليس. أما إبليس فقد علمتَ حالَه، وأما الملائكة فإنهم سألوا ربهم عن سرّ الخلافة لَمّا كان ظاهرُ حال بني آدم يُنبىء عن سَفْك الدماء وغيرها، ولم يُحْسِنوا في السؤال، غيرَ أنهم لمّا لم يُصِروا عليه غُفر لهم. وأما آدم عليه الصَّلاة والسَّلام فإنه لم يواجِه ربّه إلا بالتضرّع والابتهال حين ناداه: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} (الأعراف: 22) مع أنه كان عنده جوابٌ أفحم به موسى عليه الصَّلاة والسَّلام حين تناظر معه، كما في الحديث، إلا أنه لم يأت بحرف منه حين مواجهة ربه عبوديةً وطاعةً. ومن ههنا عُلم سر المناظرة بين موسى وآدم عليهما السلام، وإنما أظهر الله تعالى علمه لكونه وصفاً يمكن ظهوره، بخلاف العبودية، فإنها صفة مستورة في العبد لا سبيل إلى العلم بها، لا لكونه مَدَارَاً للفضل، فعُلِم أنّ فضل العلم إنما يظهر إذا كان العمل يساعده، كآدم عليه الصَّلاة والسَّلام، فإن علمه عُدَّ فضلاً وكمالاً لعبوديته وعَمَلِه حسب عِلْمه. كيف وإنه وسيلة العمل، والوسيلة لا تفوق ما هو وسيلة إليه. ولعلك الآن ذُقت معنى قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ولا نُنْكِر فضل العلم، فإن مالكاً وأبا حنيفة رحمهما الله تعالى ذهبا إلى أن الاشتغال بالعلم خيرٌ من الاشتغال بالنوافل على عكس ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله. وعن أحمد رحمه الله روايتان: إحداها في فضل العلم، والأخرى في فضل الجهاد، كما ذكره ابن تيمية رحمه الله في «منهاج السنة»، ولكني أردتُ بيان جهة الخلافة على ما كانت عندي. والله يعلم الحقَّ وهو يَهدي للصواب. قوله: (قول الله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ}... إلخ) فيه أيضاً سابِقِيَّة للإيمان على العلم، والآية سيقت لبيان فضل عامة المؤمنين، ثم للعلماء لا للثاني فقط. ومعنى قوله: {وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ} أي الذين آمنوا ومع ذلك أُوتوا شيئاً آخر وهو العلم. قوله: ({دَرَجَتٍ}) جمع درجة، يُستعمل في الجنة، كالدَّرَكَات جمع دَرَكَة في النار قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَفِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاْسْفَلِ مِنَ النَّارِ}. قوله: (وقوله عزَّ وجل: {رَّبّ زِدْنِى عِلْماً}) دلالته على فضل العلم واضحة.
59- قوله: (فإذا ضُيِّعَتِ الأمانة) ومعنى الضياع: أن لا يبقى اعتمادٌ لأحد على أحد، لا في الدِّين ولا في الدنيا. وقد مرَّ مني أن الأمانة صفةٌ متقدمة على الإيمان، فيجيء أولاً لون الأمانة ثم يجيء عليه لون الإيمان. ولذا اشتق منها الإيمان. وفي الحديث تأديب للسائل بأن السؤال ينبغي أن يكونَ بعد الفراغ لا عند الاشتغال. ومَنْ سُئِل عند الاشتغال يَسَعُ له أن لا يقطع كلامه ويَمضي فيه. وفيه ترغيبٌ للمجيب أن يُجيبَ بعد فراغه إن شاء، وفيه إجازةٌ لتحقيق السؤال إذا لم يفهمه. قوله: (إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله...) وفي ذلك حكايات عن الأئمة والمحدثين. فنُقِلَ عن الشافعي رحمه الله أنه لم يكن في سَعَةٍ من ذات يده، وكان الناسُ يُهدون إليه تحائف، إلا أنه لم يكن يُمْسِكُهَا، وكان يُنفقها على الفور، وكان يعيش في عُسرةٍ وتلميذه ابن عبد الحكم كان صاحب الضَّيْعَة والنخيل، فكان يَخْدُمه كثيراً. واتفق أن الإمام الشافعي رحمه الله رحل إليه مرة فأمر الطبّاخ أن يهيىء له أنواعاً من الطعام، وكتب أسماءها، فأضاف عليها الشافعي رحمه الله طعاماً آخرَ وكتب بيده، فلما علمه ابن عبد الحكم أعتق عبده من شدة الفرح. فلما كان الشافعي رحمه الله ابن أربع وخمسين، وسمع نداء الرحيل، استفتاه الناس: مَنْ يجلس إليهم بعدَه؟ ومَنْ يتولّى التدريس؟ فجاء ابن عبد الحكم أمامه يرجو أن يُعَيِّن الإمام إياه، إلا أن الإمام الشافعي رحمه الله وَسَّد الأمر إلى أهله وقال: إنّ صاحب الحلقة بعدي يكون إسماعيل بن يحيى المُزَني خال الطحاوي، ولم يُبَالِ بما صنع إليه ابن عبد الحكم من المعروف مُدَّةَ حياته. وهكذا الشيخ ابن الهُمَام رحمه الله، وكان صاحب طريقة لم يؤجِّرْ نفسه للتعليم مدة عمره، وكان متولياً للخانقاه إذ ذاك، وكان يدرّس فيه لوجه الله. وكان يأخذ منه بالمعروف غير مُتَأَثِّلٍ مالاً. وكان مَلِكُ مصر من أكبر معتقديه متى تَعْرُو له حادثة سُئِل عنها، مع كون الحافظ ابن حجر رحمه الله والعينيّ رحمه الله موجودَيْن في زمانه أيضاً، فلما دنت وفاته سأل الناسُ عمن يجلس مجلسه بعده؟ قال: العلاّمة القاسم بن قُطْلُوبُغَا، وإنما انتخبه من بين سائر تلامذته؛ لأنه مع كونه عالماً كان أورعهم وأتقاهم، ومن أدلة تقواه وورعه: أن علماء المذاهب الأربعة رحلوا لتأييده في مناظرة انعقدت بينه وبين الشيخ عبد البَرِّ بن الشِّحْنَة تلميذ ابن الهُمَام رحمه الله بين حضرة الملك. وبالجملة لما كان العلامة القاسم أهلاً عنده وسَّد إليه الدرس بعده. وكذلك قصة الشيخ أبي الحسن السِّنْدي من أعيان القرن الثالث عشر، لم يكن يتكلم عند الدرس بحرف، وكان يجلس ساكتاً صامتاً، فلما دنا أجل شيخه سأله الناس أن يستخلف أحداً بعده، فاستخلف أبا الحسن، فتعجَّب الناس منه حيث عَيَّن رجلاً لا يُحْسِن التكلم أيضاً، غير أن الشيخ لما تولّى الدرس بعده عَرَفَ الناس أنه هو الذي كان أهلاً لذلك، فأفاض عليهم من بحور العلوم ما أدهش الناس.
أي رفع الصوت بالعلم جائز عند الحاجة. 60- قوله: (نمسح على أرجلنا...) أي نغسل أرجلنا، وإنما كَنَّى عنه بالمسح لعجلتهم فيه، لا كما يظهر من الطحاوي أن المسح على الأرجل كان في زمان ثم نُسِخ.
اعلم أنه لا فرق بين التحديث والإخبار لغة. وأما في الاصطلاح فمنهم من استمر على أصل اللغة، ونَقَل الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة كما في «الفتح». وصرح القاري أنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهكذا يُستفاد من طبقات الحنفية للشيخ عبد القادر القُرَشي في ترجمة عبد الكريم بن الهيثم، أو عمرو بن الهيثم، وهو رأي البخاري، ولذا تجد في كتابه كثيراً في الصلب حدثنا مع نسخة عليه «أخبرنا»، وذلك لعدم الفرق بينهما عنده، ومنهم من فرّق بينهما كمسلم، فإنه كثيراً ما يحوِّل في الإسناد لأجل التنبيه على تغاير لفظي التحديث والإخبار فقط. ثم إنهم اختلفوا في القراءة على الشيخ هل تساوي السماع من لفظه أو هي دونه أو فوقه؟ فذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والبخاري إلى التّسوية بينهما. قال السَّيوطي: وعندي: هؤلاء إنما ذكروا المساواة في صحة الأخذ بها رداً على مَنْ أنكرها لا في اتحاد المرتبة، وحُكِي ترجيح السماع عليهما عن جمهور أهل الشرق. قال النووي: هو الصحيح. وحُكِي ترجيح القراءة على السماع عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى. قلت: وفي «بستان المحدثين»: عن محمد بن شُجَاع الثَّلْجي، لأبي الليث السمرقندي، أنهما سِيّان عنده، إلا أن محمد بن شُجَاع يُرْمى بالاعتزال. ويُعلم من «الموطأ» أن الإخبار أرجح من التحديث عند مالك، على عكس ما يُستفاد من «الموطأ» لمحمد ثم إن أكثرهم اتفقوا على أن التحديث يدل على السماع. قلت: قد لا يدل عليه كما في حديث مسلم، في حديث الدجال: «إن الدجال يَقْتُل رجلاً فيقطعه جَزْلَتَيْن، ثم يُحييه فيسأله عنه، فيقول الرجل: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم .. إلخ»، فدلّ على أنه يُستعمل عند عدم السماع أيضاً، إلا أن يكون هذا الرجل خَضِراً، لكن كونه خَضِراً غيرُ منصوص في المتن. 61- 62- قوله: (مَثَلُ المسلم... إلخ) ووجه الشبه أن النخلة لا تنمو بعد قطع رأسها كالإنسان، ويكون فيها ذَكَرٌ وأُنثى وتلقح. حتى رأيت في بعض الروايات التي لا يُعْبَأ بها أنها عمة بني آدم، فإنها خُلِقت من بقية طينته. أما كونها كالمسلم فلكونها غير مُضِرّة بجميع أجزائها، كالمسلم يجيء بالسلامة لا غير، والأمر في باب التشبيهات سهلٌ بعدُ، فلا ضيق.
قوله: (والعرض... إلخ) ولعل غرض المصنف رحمه الله تعالى أن التمييز فيما بين الألفاظ الثلاثة فيما قرأ على الشيخ، أما إذا قرأ التلميذ بنفسه فإنه يقول فيه أقرأني فلان والمقرىء هو المعلِّم. وههنا رأي آخر وهو أن التلميذ إذا سمع من شيخه يقرأ أو يُقْرَأ عليه لا يعبِّر بالتحديث أو الإخبار ما لم يقصد الشيخ إسماعه، كما يقول النَّسَائي في الحارث بن مِسْكِين: أخبرنا الحارث بن مِسْكِين قراءةً عليه وأنا أسمع. 63- قوله: (فأناخه في المسجد) وعند البخاري من طريق آخر، فأناخه قريباً من المسجد، وهكذا حكى الحافظ رحمه الله تعالى عن مسند أحمد رحمه الله: أنه أناخه خارج المسجد، فلا حجة فيه للمالكية على طهارة أزبال مأكول اللحم وأبواله. قوله: (ظَهْرَانَيْهم) وهو تثنية التثنية. فإن الظَّهْرَانِ تثنيةُ الظهرِ، ثم ثَنَّى فصار ظهرانَانِ وسقطت النون للإضافة، وبقيت ياء التثنية. أقول: إنَّ المُثَنَّى والجمع قد يُنَزَّل منزلةَ المفرد، فيثنَّى ويُجمع كما في البخاري: حدثنا عَبْدَانُ... برفع النون مع أنه مثنَّى، باعتراف جميع أهل اللغة. ولكنه بعد العلمية نُزِّل منزلة المفرد، وعُوْمِلَ معه ما يعامل مع المفرد، فأُعرب بإعرابه، كما في قول الشاعر: أقول: أما شرح هذا الحديث فهو كما شرح به الخَطَّابي، وأما شرح حديث الباب فهو أعم مما قاله، ومن الاتكاء المتعارَف. قوله: (اللهم نعم) هذا للتأكيد. قوله: (قد أجبتك) أي أنه صلى الله عليه وسلّم سمع مقالته، وقال: قد أجبتك، مع أنه لم يُجِب الآن وهو موضع الترجمة. قوله: (رواه موسى... إلخ). قال الحافظ رحمه الله تعالى: إنما عَلَّقه لأن سليمان... ليس على شرطه، وتعقَّب عليه العينيّ رحمه الله تعالى بأنه قد أخرج عنه في باب: يَرُدُّ المصلي من بين يديه. قوله: (لا تسألوا الخ) روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلّم إلا ثلاثة عشر سؤالاً. أقول: ولعل مراده الأسئلة التي ذُكِرَت في القرآن، وإلا فهي كثيرة. قوله: (فمن خلق الأرض) الخَلْق يكون مِنْ كَتْمِ العَدَم بالاختيار والقدرة، فالعالم بقَضِّه وقضِيْضِه مخلوق عندنا. وقال الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى: إنه لم يَقُل أحد من الفلاسفة بقدَم العالم، وكان أفلاطون أيضاً قائلاً بحدوثه، حتى جاء أرسطاطاليس المخذول فاعتقد بقدمه، وهو باطل قطعاً، وقائله كافر، واتفقت الأديان السماوية على حدوث العالم. نعم نُسب إلى بعض الصوفية قدم بعض الأشياء كالشيخ الأكبر، وقال الشعراني الشافعي رحمه الله تعالى: إن هذه العبارات كلها مدسوسة. أقول: وقد تفرَّد الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى ببعض المسائل أيضاً، فإنه قد اعتبر إيمان فرعون وإن لم يكن توبة، فيعاقب بما فعل، لكنه لا يُخلَّد في النار عنده، ونَسَبَ بحر العلوم إلى الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى قدم بعض الأشياء. وظَنّي أن تلك النسبة صحيحة. وأما ما نَسَبَ الدَّوَّاني إلى ابن تيمية رحمه الله تعالى من قدم العرش، فليس بصحيح عندي، كما قلتُ فيما ألحقت بالقصيدة النونية لابن القيم رحمه الله تعالى: واللَّهُ كان وليس شيءٌ غيره *** سبحانه جَلَّ العظيمُ الشانِ واللَّهُ خالقُ كلِّ شيءٍ غيره *** ما ربُّنا والخلقُ مُقْتَرِنَانِ لَسْنَا نقولُ كما يقول المُ *** لْحِدُ الزِّنْدِيْقُ صاحبُ مَنْطِقِ اليُونَانِ بِدَوَامِ هذا العَالَمِ المشهودِ وال *** أرواح في أزلٍ وليس بفَانِ وهو ابنُ سِينا القِرْمِطِي غدامدى *** شرك الرَّدى وشريطة الشيطانِ والعرشُ أيضاً حادثٌ عند الوَرَى *** ومِنْ الخطأ حكايةُ الدَّوَّاني وإذِ الحوادثُ لا نَفَادَ لها فلا *** يَصِل المضاء لحادث الإبَّانِ وكغايرٍ ماضٍ وما مِنْ فارقٍ *** فاثبُتْ فإنّ الكفرَ في الخِذْلانِ ولي قصيدة طويلة تزيد على أربع مئة بيت في إثبات الصانع وحدوث العالم المسماة: «بضرب الخاتم»، وأيضاً رسالة أخرى ذَكرتُ فيها ما لم أُسْبَقْ إليه. فائدة واعلم أن الحدوث الذاتي لم يَقُل به أحد من الفلاسفة حتى جاء ابن سيناء فاخترعه من عنده، يبتغي بذلك أن يتَّخِذ بين الإسلام والفلسفة سبيلاً، وكان فلاسفةُ اليونان قائلين بِقِدَمِ الأفلاك والعناصر بالشخص، وبِقِدَم المواليد الثلاثة: الجمادات، والنباتات، والحيوانات بالنوع، وقد بَيَّنْتُ بُطلانه في رسالتي. وقد صنف ابن رشد كتاباً سماه «تهافت التهافت» وتعقَّب فيه على الغزالي، وعلَّقْتُ عليه رسالة لدحض ما أَوْرَدَ على الغزالي، إلا أنه لم يتفق طبعه. وابن رشد هذا أحذق عندي من ابن سيناء، ويفهم كلام أرسطو أزيدَ منه. «حج البيت»: قيل إن مجيء ضِمَام بن ثعلبة في السنة الخامسة وفرضية الحج في السادسة أو التاسعة، فكيف ذكر الحج فيه؟ وأجيب بأن فرضية الحج من قبلُ. وأما في السادسة أو التاسعة فتفصيلٌ لأحكامه، وفيه نظر وسيأتي.
المُنَاولة أيضاً حُجَّة، وإن اقترنت بالإجازة فهي الأقوى. وأما المُكَاتبة فهي أيضاً حجة بشرط تعيين الكاتب والمكتوب إليه. وقال بعض القاصرين: إن الخط يُشْبِه الخط، فلا تكون حُجة، وتوَّهم ذلك مما في «كتاب القاضي إلى القاضي»: أن الكاتب يُرسِل مع كتابه رجلين يشهدان بأن هذا كتاب فلان أرسله إلى فلان. والمحقَّق عندي أن الخط لا عبرة له في الدعاوي عند الجحود، كأن يدعي أحدٌ بأنَّ عنده كتابَ فلان، فيه إقرارٌ بألف درهم وهو يُنْكِره. وأما في سائر المعاملات: كالطلاق، والنكاح، والعتاق، فإنه معتبرٌ قطعاً، وفي عامة كتبنا تصريح بصحة وقوع الطلاق بالكتاب. وراجع «فتح القدير». فائدة قال ابن مَعِين: إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كانَ يشترط في اعتبار الكتابة عدمَ النسيان من الأول إلى الآخر، وقال صاحباه بجوازها بشرط التذكر عند رؤية خَطِّه، ولا يُشْترط التذكّر من الأول إلى الآخر كما قال الإمام الهُمَام. 65- (فاتَّخَذَ خاتماً) وعُلم منه أنه صلى الله عليه وسلّم لم يكن يحب اتخاذ الخاتم ثم اتخذها لأجل الضرورة، فاحفظه كالأصل؛ فإنه يدلّ على أنه قد يُتْرَكُ في شيء مرضيٌّ عند الضرورة، وكان نَقْشُهُ: محمد رسول الله، على اختلاف في صورته، وكان نَقْشُ خاتم عمر رضي الله عنه: «كفى بالوت واعظاً» وكان نقش خاتم إمامنا رحمه الله تعالى: «قُلِ الخيرَ وإلا فاسْكُتْ»، وهذا يدلّ على أنه لا يجب كتابة اسم صاحب الخاتم على الفَصّ. وكان الخاتم في القديم أمارة لاختتام الشيء ويُختم الآن للتصديق، وقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيّينَ} (الأحزاب: 40) على العُرْف القديم، فلا حُجَّة فيه للشقي القادياني. فائدة واعلم أنّ المصنِّف رحمه الله تعالى ذكر في تلك الأبواب عِدَّة مسائل من أصول الحديث وعمدةِ التصانيف، وأجودُهَا في هذا الباب تصنيفُ الشيخ شمس الدين السَّخَاوي، تلميذِ الحافظ ابن حجر، المسمى ب«فتح المغيث» و «النُّكَتُ على ابن الصلاح» للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أيضاً لطيف.
66- (... فأعرض الله عنه) قد سبق إلى بعض الأوهام فضلُ الرجل الأول على سائرهم، وأنَّ الثالث محروم. قلت: فإن كان ذلك معلوماً من الخارج فالأمر كذلك، أما في الحديث فلا دلالة فيه على ذلك، لأنه ليس فيه إلا الجزاء من جنس العمل، كما في قوله: «أنا عند ظن عبدي بي... إلخ» بَحَثَ الناس فيه أنَّ الذكرَ بالجهر أفضلُ أو بالسر؟. قلت: وهذا البحث في غير موضعه، بل تخليط للمراد، فإن الحديث ناطق بأن الله تعالى يُعَامِلُ كُلاًّ بِحَسَبِ ظنه، فليس فيه إلاّ الجزاء من جنس العمل، فمن ذكره في ملأً يذكره في ملأً عنده، لأنه جزاء عمله، وكذلم من ذكره في نفسه يذكره في نفسه لأنه جزاء يوازي عمله، فلا تعرُّضَ فيه إلى الأفضلية ولا إيماء. وهكذا الأمر ههنا، فمن أعرض عن ذلك المجلس فإنه لم يصب حظه من هذا المجلس وحُرِم عن أجره خاصة، وإن أمكن أن يكون هذا المستحي أفضل منه من جهة أخرى، فإن الحياء نصف الإيمان، ولأنه اصطفى لنفسه الخمول وتحرَّز عن الشهرة فهذا باب آخر، وفضيلة من جهة أخرى، كما في الحديث ولعله في كنز العمال أن من ترك الصف الأول لأجل أحد تواضعاً لله تعالى فإنه يَضْعُفُ أَجْرَهُ- أو كما قال- مع أن ثواب الصف الأول معلوم ولكن التأخر عنه قد يفضل التقدم إليه، فهكذا يمكن أن يكون المستحي أفضل من الداخل فيه. فمن قال: إن الثالث كان منافقاً فقد اقتفى لما ليس له بعلم. ونحوه ما عند الترمذي من حديث: «فلير أثر نعمته عليك» فإنه يدلّ على أن الفضل في إراءة النعمة. وحديث آخر «من ترك ثوب الزينة تواضعاً لله ألبسه الله حُلَلَ الكرامة يوم القيامة»- أو كما قال- يدل على أن الفضل في البذاذة. والوجه أنه لا تناقض بينهما لأنهما محمولان على بابي فضيلة فإراءة النعمة أيضاً باب وهو مطلوب بنفسه، والبذاذة فضيلة من جهة أخرى وباب آخر ومطلوب أيضاً، والشيء إذا كان ذا جهات يتأتى هناك مثل هذا فافهم. وأما قوله فاستحى الله منه فمبنيٌّ على صنعة المشاكلة. قوله: (فرجة) بالفتح أو الضم وفيه حكاية عن أبي العلاء النحوي، وكان إمام اللغة فجرى بينه وبين الحجاج شيء، فاضطر إلى ترك العُمْرانات وسكن بالبادية يتقي بذلك شرّه، ومضى على ذلك زمان حتى شدا أعرابي بوفاته، وأنشد: ربما تَكرهُ النفوسُ من الدهرِ *** له فرجةً كحَلِّ العقالِ فلما سمع منه الفرجة بالفتح قال لا أدري أبموته أفرح أم بتحقيق هذه اللغة فإني كنت متردداً فيه.
عبّرهُ بقول النبي صلى الله عليه وسلّم إشارة إلى قوته، وإنما أراد به التنبيه على أن الحديث لا يختص بالحلال والحرام بل هو عام لكل ما سُمِع، وفيه أنه يمكن أن يكون في الأمة من يفضل الصحابة في الوعي والحفظ فهذا فضل جزيءّ. وأما الفضل الكليّ فلهم خاصة لما ثبت. سبقهم بالإسلام والنصر.
هذه مقدمة عقلية، واستشهد لها بقوله: ({فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ}) فذكر أولاً العلم ثم أردفه بالعمل وقال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}... إلخ. 68- (يتخولنا) أي يتعهدنا وقتاً فوقتا لئلا يفضي إلى السآمة نكراني كرتى تهى قوله: (هل يستوي الذي يعلمون إلخ هل يستوي الذي يعلمون,,,إلخ)، نزّل فيه الفعل المتعدي منزلة اللازم. وذكر الأُشْمُوني: أن اللازم يُجعل بالتضمين متعدياً وكذا العكس، وليس بينهما تباين كما فهم. وتلك المسألة وإن كانت من المعاني- وأهل اللغة لا يعتبرون باعتبارات علماء المعاني- إلا أن تلك المسألة أتى بها الزَّمْخَشَري في «المفصَّل»، وهو كتاب في النحو، فاعتبروا بها؛ لأنهم يعتبرون بالنحو. وأوثق كتاب في النحو الرَّضِيّ، وأما باعتبار جمع المسائل فالأُشْمُوني، وأما كتاب سِيَبَويْه فهو «الكتاب»، إلا أنه عسير جداً. وعلَّق عليه السَّيْرافي حاشية، وهو إمام النحو، فما يذكره يكون صحيحاً إلا أن إدراك مدارك سيبويه بعيد من شأنه. 69- (يحيى بن سعيد)) هذا هو القطَّان إمام الجرح والتعديل وأول من صنف فيه، قاله الذهبي. وكان يفتي بمذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وتلميذه وكيع بن الجراح تلميذ للثوري وهو أيضاً حنفي. ونقل ابن معين: أن القطان سئل عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فقال: ما رأينا أحسن منه رأياً وهو ثقة. ونقل عنه أني لم أسمع أحداً يجرح على أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فعُلم أن الإمام الهُمام رحمه الله تعالى لم يكن مجروحاً إلى زمن ابن معين رحمه الله تعالى. ثم وقعت وقعة الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وشاع ما شاع وصارت جماعة المحدثين فيه فرقاً. وإلا فقبل تلك الوقعة توجد في السلف جماعة تفتي بمذهبه، ويحيى بن معين أيضاً حنفي، وعندي رسالة الذهبي وهو حنبلي الاعتقاد وشافعي المذهب وفيها: أنه كان حنفياً متعصباً، ولعل وجهه أن ابن معين جرح على ابن إدريس الشهير بالإمام الشافعي رحمه الله تعالى. وما قيل إنه غير الشافعي رحمه الله تعالى فليس بشيء، والحق عندي أنه وإن جرح عليه لكنه غير مناسب له فإن الشافعي رحمه الله تعالى له شأن لا يدركه ابن معين رحمه الله تعالى. ثم إن الدارقطني قد أقرَّ: أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى أسن منهم، وأنه لَقِيَ أنساً رضي الله تعالى عنه، وإنما الخلاف في روايته عنه. وجمع ابن جرير في كتاب «اختلاف الفقهاء» فقه أبي حنيفة والأوزاعي والشافعي رحمهم الله تعالى، ولم يأتِ بفقه أحمد رحمه الله تعالى ولا بمناقبه فسئل عن وجهه، فقال: إني جمعت فيه مذاهب الفقهاء ومناقبهم وأذكر مناقبه حين أذكر مناقب المحدثين، وأصرَّ على ذلك حتى استشهد بسببه. وكذا أبو عمر المالكي أيضاً ذكر مناقب هؤلاء الأئمة الثلاثة ولم يذزكر مناقب أحمد رحمه الله تعالى، والبيهقي أيضاً لم يقدح في أبي حنيفة رحمه الله تعالى مع كونه متعصباً، كما ذكره الشيخ شمس الدين في «الغاية»: أني سمعت من مشايخي أنه متعصب، ومر عليه ابن السبكي فقال: إن سمعت أن لحوم العلماء مسمومة من يأكله يموت. قلت: هو كذلك لكن من الطرفين ثم لم أر محدثاً فقيهاً أو فقيهاً فقط، يقدح في أبي حنيفة رحمه الله تعالى. نعم من كان منهم محدثاً فقط فإنه جرح عليه ثم إنه نقل عن أبي داود ما يدل على أنه من معتقدي أبي حنيفة رحمه الله تعالى حيث قال: رحم الله أبا حنيفة كان إماماً. وأما البخاري فإنه يهجوه. وأما النسائي فقد ضعفه وشدد في حسن بن زياد، وقال: إنه كذَّاب وهو خلاف الواقع، وأما مسلم فلا يدري حاله غير أن الجارود رفيق سفره حنفي وأدبه العربي أعلى من مسلم. وكان مسلم يستعين منه في أشياء. وأما التِّرمذي فهو ساكت. وأما ابن سيد الناس والدُّمياطي فإنهما في ثلج الصدر عن الإمام ويوقرانه ويبجلانه حتى أنه مرّ على إسناد فيه الإمام الأعظم فصححه. وأما العراقي فلا يدري حاله إلا أن سلسلة تلمذته انتهت على المارديني وهو حنفي، فالله أعلم أنه هل تأدب لهذا التلمذة أم لا. بقي الحافظ ابن حجر، وهو ضَرُّ الحنفية بما استطاعه حتى أنه جمع مثالب الإمام الطحاوي والطعون فيه، مع أن أبا جعفر الطحاوي إمام عظيم لم يبلغ إلى أحد من أئمة الحديث خبره إلا حضره عنده بمصر وجلس في حلقة أصحابه وتتلمذ عليه. والحافظ البدر العيني أسنّ من الحافظ ابن حجر، وقد سمع عليه ابن حجر حديثاً من مسلم، وحديثين من مسند أحمد. 69- (قال يسروا الخ..) أخذ المضمون طرداً وعكساً وهو من باب المحسنات.
يريد أن مثل هذه التعينات لا تُعَدُّ بِدعةً، والبدعة عندي ما لا تكون مستندةً إلى الشرع، وتكون ملتبسةً بالدين، ولذا يقال إن الرسوم التي جرت في المصائب بدعة دون التي في مواضع السرور، كالأنكحة وغيرها فإن الأولى تُعَد كأنّها من الدين فتلتبس به بخلاف الثانية. والسر فيه أن رسوم المَسَرات أكثرُهَا تكون من باب اللهو واللعب فلا تلتبس بالدين عند سليم الفطرة، بخلاف رسوم نحو الموت فإن غالبَهَا يكون من جنس العبادات فيتحقق فيها الالتباس. فائدة: وفي محق الرُّسُومات كتاب للشاه إسماعيل رحمه الله تعالى سماه: «إيضاح الحق الصريح» وهو أجود من كتابه «تقوية الإيمان» فإنه يحتوي على مضامينَ علمية، وكتابه «تقوية الإيمان» فيه شدة فَقَلَّ نفعه، حتى إن بعض الجهلة رموه بالكفر من أجل هذا الكتاب. قلت وجميع ما فيه موجود في كتاب «الاعتصام» للشاطبي رحمه الله تعالى. والله الهادي إلى الصواب. أما محمد بن عبد الوهاب النَّجْدِي فإنه كان رجلاً بليداً قليلَ العلمِ، فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر ولا ينبغي أن يقتحم في هذا الوادي إلا من يكون متيقِّظاً متقِناً عارفاً بوجوه الكفر وأسبابِهِ.
الفقه والفهم والفكر والعلم والمعرفة والتصديق كلها ألفاظ متقاربة لا مترادفة، فالفقه: أن يفهم غرض المتكلم صحيحاً. والفكر: انديشيدن. والفهم: فهميدن. والعلم: دانستن. والمعرفة: شناختن. والتصديق: باوركردن. فهذه فروق نبه عليها أهل اللغة لا يُهتدى إليها بعد صرف الأعمال. 71- قوله: (إنما أنا قاسم والله يُعطي). واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم في النَّظر المعنوي ليس بقاسمٍ كما أنه ليس بمعطٍ فإن الأمورَ كلَّها إلى الله سبحانه فمنه الإعطاء ومنه القسمة. وإن نظرت نظراً صورياً فهو معطٍ أيضاً كما أنه قاسمٌ، فكيف هذا التقسيم في القسمة والإعطاء بين الله ورسولِهِ فإنه يؤدِّي إلى اعتبار جهة الصورة والمعنى معاً. ثم تبيَّن لي أنه راعى جهة الصورة فقط في الجملتين كلتيهما؛ لأن الحديث واردٌ على طور أهل العرف وهم لا يعتبرون في الإعطاء الفاعلَ الحقيقيَّ، بل ينسبونَه إلى الناس فيقولون: زيد أعطى كذا. وموجبه أن يعزوَ إلى نفسه الإعطاء أيضاً كالقِسمة ويقول وأنا أُعطِي. إلا أنه نسبه إلى الله تعالى؛ لأنه عارضته جهة أخرى، وهي أن المُعطي يكون عالياً مستقلاً عند أهل العرف، والقاسم آلة، والآخذ سافلاً، واليدُ العليا خير من اليد السفلى، فأبقى الاستقلال لصاحب القوة وهو الله سبحانه. ونسب إلى نفسه ما ناسب ضعفه، فإن الإنسان خُلِق ضعيفاً فراعى الأدب في القرينتين، لا أنه راعى مسألة توحيد الأفعال. ثم رأيت في كلام الحافظ ابن تيميّة رحمه الله: أن الأنبياء عليهم السلام لا يملكون شيئاً حال حياتهم كما أنَّهم لا مِلْك لهم بعد وفاتهم، واستُدِلَّ عليه بهذا الحديث، وقال: «إنه قاسم لا غير ولا مِلْكَ له أصلاً. فحينئذٍ بقي الحديث على ظاهره بدون تأويل. وأما قوله تعالى: وما رميت إذا رميت الخ وما رميت إذا رميت,,,الخ (الأنفال: 17) فإنه روعِيَتْ فيه جهة الصورة والمعنى معاً وله وجهٌ أيضاً. («ولن تزال... إلخ») واختلف في تعيين مصادقِهِ وكلٌّ ادّعى بما بدا له. قلت: كيف مع أنه منصوصٌ في الحديث وهم المجاهدون في سبيل الله؟ ثم رأيت عن أحمد رحمه الله أن تلك الطائفة إن لم تكن من أهل السنة والجماعة فلا أدري من هي؟ ولم أكن أفهم مراده لأنك قد علمت أنها المجاهدون بنص الحديث. ولا يمكن عنه الغفلة لمثل أحمد رحمه الله فكيف قال إنها أهل السنة والجماعة؟ ثم بدا لي مراده: وهو أن المجاهدين ليسوا إلا من أهل السنة، فعلمت أنه عيَّنَهم من تلقاء جهادهم لا من جهة عقائِدِهم، ويشهد له التاريخ فإنه لم يُوفَّق للجهاد أحد غيرُ تلك الطائفة. وأكثر تخريب السلطنة الإسلامية كان على أيدي الروافض خذلهم الله ولعنهم. 71- ومعنى قوله: (ولن تزال»): أي لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك الطائفة القائمة على الحق لا أنهم يكثرون في كل زمان ولا أنهم يغلبون على من سواهم كما سبق إلى بعض الأفهام، حتى أن غلبة الدين في زمن عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام عندي ليس كما اشتهر على الألسنة بل الموعود هو الغلبة حيث يظهر عليه الصَّلاة والسَّلام وفيما حواليه. أما فيما وراء ذلك فلم يتعرض إليه الحديث، والعمومات كلها واردة في البلاد التي يظهر فيها ولا تتجاوز فيما وراءها، وإنما هو من بداهة الوهم والسبق إلى ما اشتهر بين الأنام. علي بن المَدِيني: قال البخاري: وما استحقرت نفسي بين يدي أحدٍ مثل ما استحقرتُ بين يديه.
72- (مجاهد) وعند الطحاوي بإسنادٍ صحيح أنه صحب ابن عمر رضي الله عنه عشر سنين ولم يره يرفع يديه مع أن ابن عمر رضي الله عنه هو الذي رفع لواء رفع اليدين فاحفظه فإنه مهم جداً. وترجمته، ريس كرنا. وهو غير الحسد لأن المعتبر في الحسد تَمَنِّي زوال النعمة عن الغير بخلاف الغِبْطة. 73- (قبل أن تُسَوَّدوا) ليس من المعارضة في شيء بل هي من باب التكميل أو الاحتراس، زاده البخاري من قبله. فائدة واعلم أن الشيخ جلال السُّيوطي رحمه الله صنّف كتاباً في المعاني والبيان وسماه «عقود الجمان» وهو وإن كان كتاباً حسناً إلا أنه لم يستوعب المسائل. وهكذا «المُطَوَّل». وأقول بعد التجربة كالعيان: إن كثيراً من المسائل من تلك الأبواب تُسْتَنْبَط من الكشاف، ما شممت رائحةً منها في أحدٍ من الكتب في هذا الفن، وأظن أنها تبلغ إلى نصف ما في كتب القوم فعلى المتبصِّر أن يتفحَّصَ كتابه طلباً لتلك المسائل. 73- (على غير ما حدثناه) يريد أنه بلغ سفيان من طريقين والذي ههنا هو من طريق إسماعيل بن أبي خالد. (الحكمة) ونُقِل في «البحر المحيط» في تفسيرها نحوٌ من أربعة وعشرين معنىً، وفسرها الدَّوَّاني في شرح العقائد الجلالي: درست كارى وراست كردارى، وهو مراد السيوطي رحمه الله بإتقان العمل. وفي «فتح العزيز»: أنها حكمة أحكام الشرع. وطرد ابن كثير في تفسيرها على أنها السنة. وما تحقق لي هو: أن الحكمة أمر غير النبوة وغير أمور الوحي بل هي مما يتعلق بأمور الفهم، والتمييز من باب الكلمات التي تضرب بها الأمثال، فإنها لا تكاد تكذب وتكون مفيدة جداً، كذلك الحكمة تُلقى في قلوبِ الخاشعينَ الزاهدينَ في الدنيا وتكون كلماتهم نافعة للناس، فهي من باب المقولات المفيدة يستفيد بها الناس في أعمالهم وفصل أَقْضِيَتِهِم. 73- (يقضي). واعلم أن الفتوى غير القضاء فإن الفتوى يقتضي علم المسألة فقط والقضاء يقتضي علم الواقعة أيضاً، فهو يستدعي علمين بخلاف الفتوى فإنها تجري على الفروض المجردة ولا تعلق له بما في الواقع، والقضاء يجري على الوقائع فقط ولا تعلق له مع الفروض المقدرة فاعلمه، وسيجيءُ تفصيلُ الفرق بينهما أَزْيَدَ من هذا.
74- (تمارى هو والحُرُّ) هذا الحرُّ تابعيٌّ، ووجه التَّماري: أن الحرَّ كان عالماً بالتوراة، ولم تُذْكَر تلك القصة فيها. 74- (في صاحب موسى) واعلم أنه يُعلم من هذا الطريق أن التماري في صاحب موسى من هو خضر أو رجل آخر؟ ويُعلم من طريق آخر أنه في تعيين الذاهب نفسه أنه موسى بن عمران أو موسى بن يوسف؟ أقول: وكلاهما صحيحان، والاختلاف باعتبار الرَّجلين فمع رجل في الذاهب ومع آخر في صاحبه، ولا وهم ولا اضطراب. 74- (قال موسى: لا) وصدق موسى، لأنه كان نبي الوقت وهو يكون الأعلم في أمته قطعاً، إلا أنه أخذ عليه مؤاخذة لفظية حسب منزلته، حيث كان الأنسب له والأليق بشأنه أن يكل العلم إلى الله سبحانه وتعالى، ويتحرَّز عن الافتيات على الله صورةً، والادعاء ظاهر وتلك المناقشات لا تزال تجري مع الأنبياء عليهم السلام دون سائر الناس. ثم صيغة التفضيل في السؤال والجواب على العرف لا على طور أهل المعقول على حد قولهم: فلان أعلم بغداد فلا ضيق فيه. 74- (فجعل اللَّهُ له الحوتَ آيةً... إلخ) وإنما أَبْهَمَ على موسى سبيله ولقيه تبكيتاً ومعاتبةً وإظهاراً لقصور علمه في كل موضع وكل مكان، ولذا ألقى عليه النسيان مرتين. 74- (إذا فقدت) وقد كان أوصى به يوشع عليه الصَّلاة والسَّلام ولم يكن نبياً بعد. ({وَمَآ أَنْسَانِيهُ}) نسبة النسيان إلى الشيطان كنسبة التثاؤب إليه، فهذه من الأمور الطبيعية نسبت إليه لمناسبة بينهما وبين الشيطان. وقد ثبت النسيان خمس أو أربع مرات عن النبي صلى الله عليه وسلّم أيضاً. فدلَّ على أن النسيان لا يكون عن تسلط الشيطان دائماً. ونسيان يوشع عليه السلام أيضاً من هذا القبيل، وإنما نسب إليه لما بينا، على أنه لا دليل على أنه كان نبياً إذ ذاك، نعم لو ثبت كونه نبياً لأشكل النسيان من جهة الشيطان ولكن إذا قلنا إنه من الأمور الطبيعية لم يرد شيء. 74- (فوجدا خَضِراً) عند مسقط الفرات في خليج فارس في العراق كذا قيل. قلت: والصحيح عند «أيلة» ويقال لها الآن «العقبة» في الجانب الغربي في الشام، وصَحَّف بعضُهُم فكتب أبله وهو غلط. ولعل لقاءه خَضِراً في مدة إقامته بسيناء بعد العبور عن البحر. أما البحث في أن خضراً كان نبياً أم لا فلا أحب أن أقتحم فيه، غير أنه كان حاملاً لنحوٍ من العلم وهو العلوم التكوينية، وموسى عليه السلام كان حاملاً لنحوٍ آخر وهو علوم الذات والصفات وعلم الشريعة وهو العلم الأعلى والمقصد الأسنى، بخلاف العلم الأول فإن كماليته في جانب الحق لا في جانب الخلق، وقد جُرِّب أن كشوف أهل التصوف من غير العلماء أكثرَها تكون في الأمور التكوينية. أما أهل العلم منهم فأكثرُها تتعلق بالأمور الإلهية، كالشاه ولي الله رحمه الله تعالى والشيخ الأكبر رحمه الله تعالى فإن كشوفهما تتعلق بحلِّ مسائل الصفات وغيرها، ونعمت الكشوف هي. وإنما أظهر أعلمية الخضر عليه السلام مع كونه مفضولاً، لأن موسى عليه السلام كان معاتَباً ومناقَشاً به إذ ذاك، ولو انعكس الأمر لأظهر أعلميةَ موسى عليه السلام، ولما علم خضر من حاله لم يقُل إلا ما حكاه النبيّ صلى الله عليه وسلّم عنه من قوله أنت على علم... إلخ. ولعلك علمتَ من هذه القصة ما قَدْرُ عِلْمِ العبد بجنب علم الله تعالى حيث أن موسى عليه السلام مع كونه نبياً لم يكن عنده علمٌ من الجزئيات الحقيرة بل لم يستطع أن يصبر على جزئي واحد من هذا العلم، وصدق خضر عليه السلام: {أنك لن تستطيع معي صبراً} (الكهف: 67) فكأنه لم يخلق لهذا النحو من العلم. وهذا الذي علمته كان من أمر موسى وخضر عليهما السلام. أما خاتم الأنبياء عليهم السلام فإنه تمنّى أن يكون موسى عليه السلام صَبَر ليعلم من عجائب قصصهما أزْيَدَ من هذا فكأنه أيضاً لم يكن أوتي تلك العلوم فهذه عقيدة موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم في علم الله تعالى. ولقد صدق الله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء: 85) فالعبد عبد وإن عُرِجَ به فوق السموات العلى، والله تعالى سبحانه وراء الوراء وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فائدة قد صنف الشيخ تقي الدين السبكي في الرد على الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى رسالة سماها ب«الاقتناص في الفرق بين القصر والاختصاص»، وقال فيها: إن التقديم لا يفيد القصر بل يفيد الاختصاص والفرق بين القصر والاختصاص أن الاختصاص اسم لإفادة الشيء بخصوصه بخلاف القصر فإنه اسم للإثبات والنفي جميعاً، وأحاله السبكي والزمخشري ولم أره في كلام الزمخشري.
يريد أنه غير مُضبِط بل مُختلِف باختلاف الأشخاص والأزمنة. وقصة العارف الجامي وذهاب أبيه إياه إلى درس العلامة الحيدرة في صباه مشهورة، وقد أحفظ أنا أيضاً كثيراً مما وقع لي في صِغَري كالواقع اليومي. 75- (واللهم علمه... إلخ) وكان النبي صلى الله عليه وسلّم ذَهب لحاجته فلما رَجَعَ ورأى ماءاً موضوعاً للوضوء استحسن خدمَتَهُ وفَرِحَ على فَرطِ ذكائه وفهمه، فدعا له فجعله الله تعالى تَرْجَمَان القرآن ببركةِ دعاءِ نبيه صلى الله عليه وسلّم ومن بركة دعائه أنه لما ذهب إلى اليمن، وألقى عليهم تفسير سورة البقرة، قال المسلمون هناك: إنه لو سمعه اليهود والنّصارى لآمنوا كلُّهم.
76- (إلى غير جدار) واعلم أنه اختلف البيهقي والبخاري في وضع الترجمة على هذا اللفظ، فترجم البيهقي بنفي السُّتْرَة، والبخاري فيما سيأتي بإثباتها،وهذا يُبْنَى على الغور في معنى الغير. قال الشيخ العيني: إن غير في اللغة العربية قد يكون للنّعت فيقَدَّر له المنعوت، أي إلى شيء غير جدار. وقد تستعمل في الاستثناء فتنسلخ عن معناه. وتفصيل الفرق أنه إذا كان للاستثناء فهو للإخراج عن حكم ما قبله فقط بدون تعرُّضٍ إلى بيان المغايرة بينه وبين ما قبله، فمعنى قولك جاءني القومُ غيرُ زيد على الاستثناء إخراج زيد عن حكم المجيء لا بيان المغايرة بين القوم وزيد... فيمكن أن يكون زيد مغايراً للقوم، وأن لا يكون، ومعنى قولهم: جاءني رجل غيرُك، بيان المغايرة أي أن الجائي لم يكن أنت بل كان مغايراً منك فقط، فلفظ غير إذا كان للنّعت فهو لبيان مغايرةِ ما قبله مما بعده، وإن تبعه النفي لزوماً، فإن الجائي إذا كان رجلاً مغايراً منك فلم يكن أنت قطعاً وإذا كان للاستثناء فهو للإخراج عن الحكم فقط، ولذا قالوا: إن «إلا» في قوله: {لو كان فيهما ألهة إلا اللَّه}... إلخ (الأنبياء: 22) بمعنى غير، ومعنى الكلمة أنه لو لم يكن الله سبحانه وإن كان غيره واحداً كان أو ألفاً لفسدت السموات والأرض، فهو الذي أمسك السموات والأرض أن تزولا، فهو قيام السموات والأرض ولو لم يكن الله بفرض المحال لزالتا عن مكانهما، ولئن زالتا لم يكن أحد ليمسكهما من بعده. وغفل بعض الناس عنه فذهب يزعم أن معناها بطلان التعدد فقط، والتحقيق أنه لبيان فساد العالمين على تقدير وجود أحد غيره تعالى ولو كان واحداً أو ألفاً. إذا علمت معنى غير فاسمع أن البخاري أخذه للنعت، فمعناه أنه صلّى إلى شيءٍ مغايرٍ للجدار فثبتت السُّترة ولكنّها لم تكن جِداراً بل كانت شيئاً مغايراً له. وأخذ البيهقي بمعنى النفي المحض فمعناه أنه كان يصلي ولم يكن بين يديه جدارٌ، ولفظ غير وإن كان يستعمل للنفي المحض أيضاً، سيما إذا تقدّمته لفظة «من» و «إلى» كما في «المطول» لكن ما اختاره البخاري أوْلَى وعليه تظهر فائدة التعرّض إلى نفي الجِدار وخاصة، لأنه إذا لم يكن هناك جدار ولا غيرُهُ فالتعرض إلى نفيه خاصة لغو. (وأرسلت الأتان... إلخ) وفي بعض طرقه أنه مرَّ بين يديهم راكباً ورأيت في بعض الشُّرُوح مسألة وهي: أن رجلاً لو مرَّ راجلاً وراءَ الإمام أثم وإن كان راكباً فلا. قلت: ولا يتأتّى هذا على مذهبنا فإن المعتبر عندنا في المرور هو المحاذاة، فإذا حاذى أعضاء المارّ أعضاءَ المصلِّي أو عضواً منه اإثِمَ بدون تفصيلٍ بين الرُّكوب وعدمه. وأجاب بعضهم على ما اختاره البخاري من ثبوت السُّترة، أن مروره كان من وراء السُّترة. قلت: نعم هذا الكلام يأتي على مسائلنا أيضاً بشرط أن يكون مروره خارج السترة، وفي كتب المالكية أن سترة الإمام ما كان بين يديه من خَشَبٍ أو رُمْحٍ أو غيرِهِما، ثم الإمام بنفسه سُترة للقوم، ويلزم منه أنه لو مرَّ أحدٌ داخلَ السترة قُدَّام الإمام فلا شيء عليه؛ لأن الإمام نفسَه سُتْرةٌ للقوم، فكأنه لم يمرّ بين أيديهم. قلت: وهذا صادق في حق القوم أما في حق الإمام فلا يَصْدُق على مذهب المالِكيّة أيضاً، فإنه قد مرّ بين الإمام وسُتْرَتِهِ وإن لم يمرّ بين القوم وسترتهم. وإنما لا يكون مُرُورُهُ بين يدي الإمام إذا فُرِضَ مُرورُهُ وراءَ السترةِ مع أنه قد فُرِضَ مرورُهُ أمام الإمام، فيكون مارّاً بين يدي الإمام وإن لم يكن مَارّاً أمام القوم، فإن الإمام سترةٌ لهم على مذهب المالكية بخلافه على مذهبنا فإنّه يأثم مطلقاً؛ فإن سترة الإمام هي سترة للقوم وليس الإمامُ نفسُهُ سترةً للقومِ، فيكون المرورُ داخلَ السترةِ أمامَ الإمام كالمرورِ بين أيديهم بدونِ السُّترةِ، فإن حُكْمُهَا فيما وراءَها فقط. قوله: (مجة مجها) هذه مُطَايَبَةٌ منه صلى الله عليه وسلّم
(ورحل... إلخ) وقصته أنه رحل من المدينة إلى الشام حتى إذا بَلَغ الشام سأل الناس عن بيته فوصل إليه وناداه على بعيره، وكان عبد الله بن أنيس في عِلْيَتِهِ فأخرج رأسه من عِلْيَةٍ ورأى جابراً رضي الله تعالى عنه، فقال جابر رضي الله عنه: سمعت أن عندك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلّم فحدثني به؟ فحدثه، فأخذه جابر رضي الله تعالى عنه وصرف عنان بعيره إلى المدينة ولم ينزل عن بعيره، فَأَصرَّ عليه عبد الله بن أنيس أن يَنْزِلَ من بعيره ويُقِيْمُ عنده فأبى، ورجع القَهْقَرَى. والحديث الذي رحل جابر لأجله مذكور في حاشية الصحيح وفيه: فيناديهم بصوت.... إلخ.
وعَلَّمَ من المجرد معناه جانا. والقياس أن يكون معنى عَلَّم من التفعيل جنوايا إلا أن ترجمته سكهلايا؛ لأنه لا سبب للعلم إلا التعليم، وأتردد في أن هذا النوع من التعدية ثابت في لغة العرب أم لا؟ وقد أقرَّ به المالكية في قوله صلى الله عليه وسلّم إذا أَمَّنَ الإمام وقالوا معناه: إذا يحمِلُكُم الإمام على التأمين. الغيث فريادرس، ويقال للماء الذي تَخْضَرّ به الأرض وينبت به الكلأ والعشب. والعشب عام للرَّطْبِ والكلأ، ثم إن كتابة الهمزة بعد الألف غلط بل ينبغي أن تكتب فوق الألف هكذا «الكلأ» ولم تكن الهمزة في لغة العرب حتى أحدثها الخليل. («أمسكت الماء... إلخ») يعني فيها قابلية الإمساك دون الإنبات، وأَمْرُ التَّطبيق بين المُشَبَّه والمُشَبَّه به سهلٌ، فليراجعه من الشروح والحواشي.
ربيعة وهو ربيعة الرأي شيخ مالك رحمه الله تعالى، وأكثر فقه مالك رحمه الله تعالى منه. وحُكِي أن ربيعة تعلّم الفقه على أبي حنيفة رحمه الله تعالى. والرأي عند السلف بمعنى الفقه، وشاع في المتأخرِّين بمعنى القياس حتى أن بعض الشافعية يُلَقِّبون الحنفية بأهل الرأي هجواً لهم ولا يدرون أنه في الحقيقة مدحٌ لهم؛ لأن محمد بن الحسن هو أول من فَصَلَ الفقه من الحديث ودونه ولذا نسب إلينا الفِقْه ولُقِّبْنَا بأهلِ الفِقْه وأهل الرأي. فأهل الرأي بمعنى مؤسس الفقه ومدونه لا بمعنى القائِس والقائِفِ ليكون هجواً كما راموه ثم إن كلاً منهم أفرزوا فِقْهَهُمْ من الحديث ودَوَّنوه على حِدَة، إلا أنه بقي العارُ علينا كقولهم: البادي أظلم، وإلا فمن في المذاهب من ليس فقهه مفرزاً من الحديث؟ فأي اعتراض علينا؟ ثم في الكُتُب أن مُدَوِّن علمِ أصولِ الفقه هو الشافعيّ رحمه الله تعالى. قلت: وعندي ثبت من التاريخ أنه أبو يُوسُف رحمه الله تعالى، وكان يُنَبِّه المحدثين في إملائه على بعض قواعد أصول الفقه. وفي «الجامع الكبير» أيضاً حِصَّةٌ منه: إلا أن رسالة الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى، لما كانت مُدَوَّنَةً مطبوعةً وأذاعها الشافعية، اشتُهِرَ أنّه مُدَوِّنُ أصولِ الفقه. والحنفية لما لم يرفعوا إليه رأسهم خَمَلَ ذكرُ أبي يُوسُف رحمه الله تعالى في هذا الباب. ثم عند البخاري أن رفع العلم إنما يكون برفع العلماء ولا يُنْتَزَعُ انتِزَاعاً، وعند ابن مَاجَه بإسناد صحيح عن زياد بن حبيب «أنه يُنْزَعُ من الصُّدُور في ليلة» والتوفيق بينهما أن أوّل أمرِ الرَّفْعِ يكونُ كما في البخاري وهو برفعِ العلماءِ، ثم إبَّان الساعةِ يكونُ كما عند ابن ماجه أي يُنْتَزَع عن الصدور نزعاً، فلا تعارض لاختلاف الزمانين. (أن يُضَيِّعَ نفسه) قالوا: معناه أن يَقْعُد في زاوية بَيْتِهِ ولا يُفشي العِلْمَ؛ فإنْ قُعُود العالم بلا فائدة هو ضياعُهُ، ويمكن أن يكونَ مرادَهُ أن يَذِلَّ نفسه. أي فلا يذهب مذهباً يوجِبُ ذُلَّ العلم. 80- قوله: (يُشْرَب الخمر) في القدوري: الخمر هي عصيرُ العنب إذا غلا واشتَدّ وَقَذَفَ بالزَّبَدِ. ولم يدرك عامةُ الناس معنى الاشتداد والصواب أن معناه ما نقول في محاوراتنا «يه أجا اته- كيا» أي صلح للاستعمال فبلوغها إلى ذلك الحد هو الاشتِدَار وهذا هو المُرادُ مما فسّروا به. 81- («أن يقل العلم») وفي نُسْخَة على حاشية النَّسائي: يَكْثُر العلم. وهو أيضاً صحيح، فإنه يكون كثيراً كماً وقليلاً كيفاً كما نشاهد في زماننا فإن العلماء مع كثرتهم قليلون فهي كثرةُ قِلَّةٍ، قال المُتَنَبِّي: لا تكثر الأموات كثرة قلة *** إلا إذا شقيت بك الأحياء 81- (تَكْثُرُ النساء) وهذا أيضاً قد تحقق في زماننا حيث يزيد عددهُنَّ على الرجال. 81- (حتَّى يكون لخمسين) وأشكل على الحافظ هذا العدد. قلت: وفي متن الحديث من طريق آخر قيد ذهل عنه الحافظ ويرتفع به الإشكال رأساً وهو «القيِّمُ الواحدُ الأمين» فالواحد الأمين اليوم أيضاً أعزّ وأنْدَر.
|